التواضع في القرآن و السنة
التواضع هو خلق جميل يتمتّع به الإنسان الراقي الرائع وهو صفة محمودة تدل على طهارة النفس وتدعو إلى المودة والمحبة والمساواة بين الناس وينشر الترابط بينهم ويمحو الحسد والبغض والكراهية من قلوب الناس
الفرق بين التواضع والتذلُّل:
• التذلل: إظهار العجز عن مقاومة من يتذلل له.
• التواضع: إظهار قدرة من يتواضع له، سواء كان ذا قدرة على المتواضع أو لا
التواضع في الاسلام:
حثَّنا الله تعالى على التواضع في كتابه العزيز، وسوف نذكر بعض هذه الآيات:
(1) قال الله تعالى: ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 215].
• قال الإمام القرطبي رحمه الله: ألن جانبك لمن آمن بك وتواضع لهم، وأصله أن الطائر إذا ضمَّ فرخه إلى نفسه بسط جناحه، ثم قبضه على الفرخ، فجعل ذلك وصفًا لتقريب الإنسان أتباعه؛ (تفسير القرطبي، جـ9، صـ57).
(2) قال سبحانه: ﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ﴾ [الإسراء: 37].
• قال الإمام القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ﴾ هذا نهي عن الخيلاء، وأمر بالتواضع؛ (تفسير القرطبي، جـ10، صـ260).
(3) قال جل شأنه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 54].
• قال الإمام القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾؛ أي: يرأفون بالمؤمنين، ويرحمونهم، ويلينون لهم؛ (تفسير القرطبي، جـ 6، صـ220).
• قال الإمام ابن كثير رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾؛ هذه صفات المؤمنين الكمل أن يكون أحدهم متواضعًا لأخيه ووليه؛ (تفسير ابن كثير، جـ 3، صـ136).
(4) قال جل شأنه: ﴿ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴾ [الحج: 34].
قوله تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴾.
احاديث نبوية عن التواضع
روى مسلم عن عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد))؛ (مسلم، حديث 2198).
قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله: قوله: ((إن الله أوحى إلي أن تواضعوا))؛ يعني: أن يتواضع كل واحد للآخر، ولا يترفَّع عليه؛ بل يجعله مثله أو يكرمه أكثر، وكان من عادة السلف (رحمهم الله) أن الإنسان منهم يجعل من هو أصغر منه مثل ابنه، ومن هو أكبر مثل أبيه، ومن هو مثله مثل أخيه، فينظر إلى من هو أكبر منه نظرة إكرام وإجلال، وإلى من هو دونه نظرة إشفاق ورحمة، وإلى من هو مثله نظرة مساواة، فلا يبغي أحد على أحد، وهذا من الأمور التي يجب على الإنسان أن يتَّصف بها؛ أي: بالتواضع لله عز وجل، ولإخوانه من المسلمين؛ (شرح رياض الصالحين؛ لابن عثيمين، جـ3، صـ 524).
(2) روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله؛ (مسلم، حديث 69).
• قال الإمام عبدالرؤوف المناوي رحمه الله في شرحه للحديث: وما تواضع عبد من المؤمنين رقًّا وعبودية لله في الائتمار بأمره، والانتهاء عن نهيه، ومشاهدته لحقارة نفسه، ونفي العجب عنها، إلا رفعه الله في الدنيا بأن يثبت له في القلوب بتواضعه منزلة عند الناس ويجل مكانه، وكذا في الآخرة على سرير خلد لا يفنى ومنبر ملك لا يبلى، ومن تواضع لله في تحمل مؤن خلقه كفاه الله مؤنة ما يرفعه إلى هذا المقام، ومن تواضع في قبول الحق ممن دونه، قبل الله منه طاعاته، ونفعه بقليل حسناته وزاد في رفعة درجاته وحفظه بمعقبات رحمته من بين يديه ومن خلفه؛ (فيض القدير؛ عبدالرؤوف المناوي، جـ4، صـ 678).
(3) روى البخاري عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت؛ (البخاري، حديث 2568).
• (الكراع): ما دون الكعب من الدابة، وهو قليل اللحم.